الوضع الليلي
Image
  • 24/06/2025
مـوسم الحــديث عن اصـلاح منظومة الصحـافة في المغرب

مـوسم الحــديث عن اصـلاح منظومة الصحـافة في المغرب

بوشتى الركراكي:

للحديث عن إصلاح أو تأهيل أو حتى إنقاذ  المنظومة الصحافية المهنية من خلال تأمين شروط الممارسة المهنية، لا بد أولا من استحضار سياقات التحديثات التي جاءت بها مدونة الصحافة والنشر، وتحديدا خلال مرحلة ما بات يعرف بفترة (عندك الملاءمة...شديتي الملاءمة..عطاوك الملاءمة...كيديرتي للملاءمة). وهي المرحلة التي روج لها كخطوة نحو تنظيم القطاع، لكنها في العمق لم تجب على الأسئلة الحقيقية المطروحة حول واقع المهنة اليوم.

اذكر و خلال مشاركتي في إحدى الملتقيات، طرحت سؤالا للنقاش وليس للجواب، مفاده: ما هو التوصيف القانوني للمواقع الإلكترونية التي تملكها مؤسسات غير صحفية ( شركات..اندية...احزاب...منظمات..وزارات....)؟ وهل تخضع وجوباً لقانون الصحافة والنشر؟ هل يفترض أن يكون لها مدير نشر وأن تخضع بدورها للملاءمة؟

هذه المواقع، رغم أنها لا تعرف كمؤسسات صحفية، تمارس عملا صحفيا مهنيا بكل المقاييس: تنشر الأخبار، تحرر المقالات، تعد الحوارات، وتغطي الملتقيات. النتيجة؟ تفوقت على المواقع الصحفية الحاصلة على الملاءمة، بل وسحبت منها البساط، و حالت بينها و بين مطلب الإشهار، الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية. هكذا، وجدت المؤسسات الصحفية نفسها أمام خصم غير شريف، يشتغل خارج القانون، ولا يؤدي الضرائب، ولا يصرح بصحافيين لدى CNSS، وبدون ملاءمة و صداع الراس.

هذا الخلل القانوني فاقمته ظاهرة أخرى حديثة: اعتماد بعض المؤسسات على أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحديدا ChatGPT (النسخة المجانية)، لتوليد المحتوى. ولم  تعد هذه المؤسسات في حاجة الى تشغيل صحافيين في الظل، بل انتقلنا إلى مقالات تنتجها الآلة، مجانا، وبلا توقيع.

العقبة الثانية في طريق الإصلاح تتعلق بالتركيبة البشرية داخل القطاع. فشروط مزاولة المهنة غير واضحة بنص صريح، ما فتح الباب أمام تجارة حقيقية في «ديبلومات» الصحافة، تمنح من معاهد غير مرخص لها أو غير معتمدة، ما أفرز حالات من التناقض المؤسف: شهادة ابتدائية مرفوقة بـ(دبلوم عالي للصحافة والنشر)

هذا الواقع ألقى بظلاله على مستوى المنتوج الصحافي، وساهم في نفور عدد كبير من الصحافيين الجادين من المشاركة في الدورات التكوينية، والتي تحولت بدورها إلى مناسبات للـ»بوز الكافي» و»الغذاء الفاخر» أكثر مما هي لحظات لتجويد المهارات وتطوير المهنة.

أما ثالث المحددات، فيتعلق بـصحافة القرب، التي حوربت بشكل ممنهج، وضيق عليها صناع القرار الخناق، إلى أن خنقت بالكامل. المفارقة أن نفس الجهات التي ساهمت في تهميشها، عادت لتحييها عبر تجييش الولاءات في الصحافة الجهوية، ولكن هذه المرة بشكل مشوه. فصرنا أمام (صحافة بطائق)، لا تكتب، لا تنشر، ولا تملك أي تأثير حقيقي، لكنها حاضرة في المشهد فقط كديكور للتمثيل.

وبلغ العبث ذروته حين باتت بعض الجرائد تطبع في حدود 10 نسخ فقط، وبشكل موسمي، فقط للحفاظ على صفة( الناشر )وممارسة تجارة موازية، عنوانها بيع البطاقات المهنية لا غير.

اليوم، نعيد طرح السؤال بصيغة الحاضر: عن أي إصلاح نتحدث في ظل وجود صحافة موازية، مؤسساتية، تمارس الصحافة في خرق سافر و واضح للقانون؟ عن أي إصلاح نتحدث في غياب دعم مالي حقيقي بعيد عن منطق (التداور) و ( الأظرفة) التي اختفت هي الأخرى مع تراجع قيمة الكاتب والمكتوب؟

إن الحديث عن إصلاح حقيقي يقتضي أولا الاعتراف بهذا الواقع المختل، ثم الانطلاق من تشخيص عميق، جريء، وصادق بلا ماكياج و بدون  مساحيق . لأن إصلاحاً مبنيا على الإقصاء أو الولاء لن يكون إلا إعادة إنتاج للفشل نفسه.