الوضع الليلي
Image
  • 23/12/2024
المنظومة الإعلامية المغربية: قيود تشريعية وسياسية واقتصادية لمأسسة الولاء

المنظومة الإعلامية المغربية: قيود تشريعية وسياسية واقتصادية لمأسسة الولاء

تبحث الدراسة في سمات وخصائص المنظومة الإعلامية التي تشكَّلت بالمغرب، في الفترة ما بين 2011 و2023، وتُحلِّل نموذج العلاقة بين هذه المنظومة والنظام السياسي. وتفترض الدراسة أن التحولات التي حصلت منذ إقرار دستور جديد في 2011 يُعلي من شأن حرية الصحافة وما أعقب ذلك من زخم تشريعي في مجال الإعلام، لم تُحدِث تغييرًا جوهريًّا في المنظومة الإعلامية، خاصة ما يرتبط بتأثير النظام السياسي؛ إذ تستمر العلاقة بين المجالين محكومة بالسياق السياسي وصراع الأدوار بينهما.

حرية الصحافة بالمغرب واستقلالية المؤسسات الصحافية تتطلبان توفير نموذج اقتصادي متكامل للمنشأة الصحافية

مقدمة

تمثِّل سنة 2011 منعطفًا في تاريخ الصحافة المغربية؛ إذ اعتمد المغرب خلال هذه الفترة دستورًا جديدًا اعتبر "حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية". وأطلق دينامية لخلق بيئة تشريعية وتنظيمية جديدة للممارسة الصحافية انتهت بإقرار مدونة للصحافة والنشر في 2016، والتي شكَّلت أهم تطور قانوني في الحقل الإعلامي المغربي، واختلفت عن النصوص القانونية السابقة؛ إذ جاءت في ثلاثة قوانين تروم تعزيز ضمانات حرية الصحافة وتطوير بيئة الممارسة والتنظيم الذاتي للصحافة.

ويبقى التشريع للصحافة أحد مداخل التأثير في الحقل الإعلامي المغربي؛ إذ يؤكد تتبُّع سيرورة تعديل قانون الصحافة منذ الاستقلال حتى اليوم وجود اختلاف في التعامل مع الإعلام بحسب سياقات وظروف كل مرحلة. وهو ما يستدعي دراسة حالة المنظومة الإعلامية في المغرب في الفترة ما بين 2011 و2023 التي شهدت تحولات عميقة في المشهد السياسي، انطلقت مع حراك 20 فبراير 2011 الذي استثمر الحالة الثورية في البلدان العربية، ورفع مطالب مرتبطة أساسًا بالإصلاح السياسي، استجابت لها السلطة في أقل من شهر، عقب إقدام الملك محمد السادس على تقديم إصلاحات دستورية وتشريعية في خطاب 9 مارس ، بدءًا بحلِّ الحكومة والبرلمان، وتكوين لجنة تأسيسية لصياغة الدستور الجديد، ثم انتهاء بالانتخابات المبكرة التي أفرزت وللمرة الأولى في التاريخ السياسي المغربي حكومة بزعامة حزب إسلامي مُمثَّلًا في العدالة والتنمية.

اقترنت تحولات المشهد الإعلامي المغربي دائمًا بالتحولات الاجتماعية والسياسية، ومن بين المؤشرات الدالة على ذلك ارتفاع وتيرة تعديل قانون الصحافة؛ إذ أقرَّ المغرب تسع نسخ منذ عام 1958 -وهو تاريخ إقرار أول قانون للصحافة- إلى غاية 2023، وذلك بمعدل نسخة كل سبع سنوات. وتميزت ستينات وسبعينات القرن الماضي بإقرار أكبر عدد من التعديلات نحت منحى التشديد في ظل الأوضاع السياسية التي عاشتها البلاد في تلك الفترة والمرتبطة بحالة الاستثناء، وفشل محاولتي انقلاب على حكم الملك الراحل، الحسن الثاني، بينما فرض مناخ الانفتاح الذي عرفه حكم الملك، محمد السادس، في بدايته، إقرار تعديل قانون الصحافة في 2002، باتجاه تخفيف العقوبات السالبة للحرية، التي ورد ذكرها في 23 موقعًا بدل 33 في القانون الأصلي.

وبات مألوفًا أن يُنظر إلى البنية التشريعية للحقل الصحافي مدخلًا لدراسة نموذج العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي السائد، وهو ما ينطبق على الحالة المغربية التي عرفت في السنوات الأخيرة حراكًا إعلاميًّا لا يقلُّ أهمية عن الحراك السياسي. وذلك في سياق الجهود المستمرة لضمان حرية الصحافة وتجنب بناء "سقف زجاجي" تتم فيه مراقبة أفكار الصحافي وتصرفاته في كل لحظة، والخروج من عباءة الرقابة التي شكَّلت عبر التاريخ أداة سياسية قوية مكَّنت من طمس التطور المسالم للرأي العام.

لكن تحديد طبيعة المنظومة الإعلامية التي تشكَّلت في المغرب خلال الفترة ما بين 2011 و2023، تتجاوز دراسة البنية القانونية والتنظيمية إلى البحث في خصائص النموذج الاقتصادي للمنشآت الصحافية، والتقاليد الراسخة في الممارسة المهنية، وتفاعلات الصحفي المهني مع بيئة الممارسة؛ لأن اعتماد تشريعات وقوانين جديدة في الصحافة لا يعني بالضرورة فكَّ كافة القيود المفروضة على الممارسة الصحافية الحرة.

  1. اعتبارات منهجية، إشكالية الدراسة

تُقارب الدراسة البيئة الإعلامية المغربية ومكوناتها المختلفة في محاولة لتحديد نمط المنظومة الإعلامية التي تشكَّلت خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2023، انطلاقًا من هذا السؤال الإشكالي المركَّب: ما سمات وخصائص المنظومة الإعلامية المغربية في الفترة بين 2011 و2023؟ وما طبيعة العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي؟

وترتبط بالسؤال الإشكالي مجموعة من القضايا التي يمكن تحديدها في هذا الحقل الاستفهامي:

- ما خصائص المنظومة الإعلامية في المغرب بعد دستور 2011؟

- ما نموذج العلاقة بين المنظومة الإعلامية المغربية والنظام السياسي؟

- هل تضمن التشريعات الجديدة حرية الصحافة؟

- كيف تؤثر البيئة القانونية والمؤسساتية في الممارسة الصحافية؟

- كيف يؤثر النموذج الاقتصادي للمنشآت الصحافية في واقع المنظومة الإعلامية؟

- أين وصل مسار التنظيم الذاتي للصحافة باعتباره تقليدًا جديدًا في الممارسة المهنية؟

- ما التحديات التي تعوق اضطلاع الصحافي بوظائفه وأدواره؟

أهداف الدراسة

ثمة أهداف عديدة تُبرِز جدوى البحث في خصوصية المنظومة الإعلامية بالمغرب وتحولاتها في الفترة ما بين 2011 و2023، نرصدها في:

- تشخيص راهن الإعلام المغربي وواقع الممارسة الصحافية، من خلال رصد التحديات والعوائق التي تحد من حرية الصحافة بعد مرور 12 عامًا على إقرار دستور جديد وسبع سنوات من تنزيل مدونة الصحافة والنشر.

- رصد مداخل التأثير في الصحافة المغربية في ظل التطور التشريعي وتحديات بيئة العمل ودور العامل السياسي في ذلك.

- دراسة تحولات المنظومة الإعلامية وانعكاساتها على الممارسة المهنية، والاستيعاب النقدي لها في أفق تطوير الممارسة الصحافية في المغرب.

الإستراتيجية المنهجية

تعتمد الدراسة استراتيجية منهجية مركَّبة تجمع بين مقاربات متعددة تتطلبها أبعاد المشكلة البحثية، منها المنهج الوصفي الذي يساعد الباحث في جمع المعلومات الدقيقة عن الظاهرة المدروسة كما توجد في الواقع، من خلال تشخيص راهن الإعلام المغربي وواقع الممارسة المهنية. كما يساعد هذا المنهج في تحديد نموذج العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي، وإبراز خصائص المنظومة الإعلامية التي تشكَّلت في المغرب في الفترة ما بين 2011 و2023.

ويستعين الباحث أيضًا بالمنهج التحليلي في دراسة وتحليل المعطيات الإحصائية، وتفسيرها ومناقشتها واستخلاص النتائج لتحديد مستوى تأثير المتغيرات السياسية والتشريعية/القانونية والاقتصادية في المنظومة الإعلامية. كما يعتمد الباحث المنهج التاريخي لقراءة السياقات التاريخية للتشريعات المنظمة للحقل الإعلامي المغربي وسيرورة تطورها في الفترة ما بين 2011 و2023.

  1. خريطة المنظومة الإعلامية المغربية وسيرورتها

2.1. الإعلام الورقي 

يبلغ عدد عناوين الصحف الورقية الملائمة لوضعيتها مع مقتضيات قانون الصحافة والنشر والصادرة بشكل منتظم، حسب معطيات رسمية لعام 2021، 105 صحف ورقية، تتوزع بين 43 إصدارًا شهريًّا و29 إصدارًا أسبوعيًّا و20 إصدارًا يوميًّا و13 إصدارًا نصف شهري. وتكشف المقارنة مع السنوات السابقة تراجع عدد عناوين الصحف الورقية بنسبة 58% عن سنة 2018، و78% عن 2016، وهو ما يعني خروج 383 صحيفة من المشهد الإعلامي، وتوقفها عن الصدور في ظرف أربع سنوات، وهو ما يعكس تفاقم أزمة الإعلام الورقي في المغرب من سنة إلى أخرى. 

هذا التراجع في عدد العناوين يوازيه تراجع حاد في المبيعات؛ إذ لم يتجاوز إجمالي المبيعات اليومية للصحف مجتمعة سقف 38.5 ألف نسخة في نهاية 2020، وهو آخر إحصاء رسمي. ورغم أن هذه الأعداد لا تعكس بالضرورة عدد قراء الصحف بالمغرب الذي يُرجَّح أن يكون أكبر من ذلك -نظرًا لانتشار ثقافة قراءة الصحف في المقاهي التي تحتضن نحو 85% من مبيعات الصحف المغربية- فإن أرقام المبيعات تبقى ضعيفة مقارنة بعدد سكان المغرب الذي يبلغ 33.8 مليون نسمة من جهة، وبنسبة المتعلمين القادرين على القراءة والتي تبلغ 68% من إجمالي السكان، من جهة ثانية.

وإذا كانت أغلب وسائل الإعلام الورقية تصدر عن أشخاص ذاتيين وأحزاب سياسية، فإن للدولة حضورًا في هذا المجال، وذلك من خلال مجموعة "ماروك سوار" (Groupe Maroc Soir) التي تُصدِر صحيفتي "الصحراء المغربية" الناطقة باللغة العربية، و"لوماتان" (Le Matin) الناطقة بالفرنسية، إضافة إلى ثلاثة عناوين تُصدرها وكالة الأنباء الرسمية في الأعوام الخمسة الأخيرة.

شكل (1): تراجع عدد عناوين الصحف الورقية بالمغرب (2016-2020)

2.2. الإعلام الإلكتروني 

يعرف الإعلام الإلكتروني بالمغرب انتشارًا على المستوى العددي، يُكرسه تجاوز عدد الصحف الإلكترونية الملائمة لوضعيتها مع مقتضيات قانون الصحافة والنشر 546 موقعًا إلكترونيًّا إخباريًّا، منها ما هو وطني وما هو جهوي ومحلي، إضافة إلى مواقع تمثِّل نسخًا لبعض الصحف الورقية، فيما بلغ العدد الإجمالي لتصاريح إصدار الصحف الإلكترونية التي توصلت بها المحاكم الابتدائية بالمملكة حتى سبتمبر 2020، 1016 تصريحًا.

ويعتبر عدد المواقع الإلكترونية حاليًّا هو الأكبر منذ دخول مدونة الصحافة والنشر حيز التنفيذ في 2016، والتي عملت على تقنينها من خلال وضع ضوابط وإجراءات تخص إنشاءها وتنظيم سير عملها وإخضاعها لنفس مسطرة إحداث الدوريات المطبوعة. فقد كان عدد هذه المواقع لا يتجاوز 121 موقعًا، في ديسمبر 2017. ونفس الأمر ينطبق على عدد التصاريح، الذي لم يكن يتجاوز 656 تصريحًا في نفس الفترة، وهو ما يُعد تحولًا إيجابيًّا في عدد الصحف الإلكترونية التي قدمت تصريحًا بإنشائها لدى النيابات العامة بالمملكة.

وتتوزع الصحف الإلكترونية الملائمة بين 295 صادرة باللغة العربية بنسبة 54% من مجموع الصحف، و132 صحيفة صادرة باللغتين، العربية والفرنسية، بنسبة 24%، و36 صحيفة صادرة باللغة الفرنسية بنسبة 6%، و10 صحف صادرة باللغات، العربية والفرنسية والأمازيغية، تمثِّل 2%، أما باقي الصحف فمتعددة اللغات.

ويعود انتشار المواقع الإلكترونية بالمغرب إلى حرية الولوج إلى الإنترنت؛ إذ يُقدَّر عدد مستخدمي الإنترنت في المغرب بنحو 35.6 مليون مشترك نهاية 2022، إضافة إلى تمكينها من رخص التصوير، وإدماجها في منظومة الدعم العمومي للصحف منذ سنة 2016 بالنسبة إلى الحاصلين على رقم اللجنة الثنائية للصحافة المكتوبة.

وإجمالًا، يمكن التمييز بين نمطين من المواقع الإلكترونية الإخبارية بالمغرب: مواقع إلكترونية تصدر بموازاة صحف ورقية وعن نفس الجهة الناشرة، ومواقع إلكترونية خالصة. وإذا كانت بعض المواقع الإلكترونية قد تأسست في بداية الألفية الجديدة بشكل مستقل باعتبارها شكلًا جديدًا من الصحافة، فإن جلَّ الصحف الورقية لجأت عبر مراحل إلى تأسيس مواقع إلكترونية بموازاتها، فيما لم يثبت، حتى سبتمبر 2023، أن اختارت صحف ورقية التحوُّل إلى صحف إلكترونية كما حدث في تجارب دولية عديدة.

جدول (1): ارتفاع عدد التصاريح والصحف الإلكترونية بالمغرب (2017-2020)

 

التاريخ

صحف إلكترونية تستجيب

لمقتضيات قانون الصحافة والنشر

تصاريح إصدار الصحف الإلكترونية توصلت بها المحاكم الابتدائية

ديسمبر/كانون الأول 2017

121

656

يوليو/تموز 2018

200

700

سبتمبر/أيلول 2019

406

911

ديسمبر/كانون الأول 2019

428

929

سبتمبر/أيلول 2020

546

1016

2.3. الإعلام السمعي البصري

خلافًا للإعلام الورقي، الذي يعرف هامشًا من الحرية انطلق منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، فإن وصاية الدولة على الإعلام السمعي البصري ظلت قائمة منذ استقلال البلاد. ولم ينطلق مسار تحريره من هيمنة ما كان يُطلق عليها "أم الوزارات" (وزارة الداخلية) إلا في عام 2002 مع صدور القانون المتعلق بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وأيضًا المرسوم بقانون القاضي بإنهاء احتكار الدولة في مجال البث الإذاعي والتلفزي، والذي فتح المجال للمبادرة الحرة للاتصال السمعي البصري، ولاحقًا سنة 2005 مع صدور القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري، الذي حدَّد القواعد العامة والضوابط الأساسية الرامية إلى هيكلة وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري، مستفيدًا من عوامل الانفراج السياسي في سياق ما عُرف بـ"العهد الجديد".

لكن لم يترجم التحرير في الواقع إلا بحلول مايو 2006، حين منحت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عشرة تراخيص للجيل الأول من الإذاعات الخاصة، وترخيصًا استثنائيًّا لقناة تليفزيونية واحدة (ميدي 1 سات) ، ثم في فبراير 2009 مع إصدار دفعة جديدة من التراخيص الإذاعية والتلفزية، من خلال منح التراخيص لأربع إذاعات موضوعاتية، ولاحقًا، تمَّ منح ثلاثة تراخيص تلفزية على مرحلتين. وإلى حدود ديسمبر 2022، لم يتجاوز مجموع التراخيص التلفزية الممنوحة أربعة، ثلاثة منها لتقديم خدمة تلفزية تتمحور حول الترفيه والفن، وينطبق هذا الحذر الشديد في منح التراخيص على الخدمات الإذاعية أيضًا؛ إذ إن أغلب الإذاعات المرخص لها بالعمل ترفيهية بالأساس.

وحاليًّا، توجد في المغرب 14 إذاعة خاصة، وأربع قنوات خاصة (فقط)، رغم الإعلان عن نهاية احتكار الدولة للبث الإذاعي والتلفزي في سبتمبر 2002. في المقابل، يسيطر الإعلام العمومي على المشهد الإعلامي عبر شركتين، هما:

- الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بـ9 قنوات تلفزية (ثلاث منها عامة، وخمس موضوعاتية، وقناة جهوية، و15 إذاعة؛ 3 وطنية عامة، وواحدة موضوعاتية، و11 جهوية، وتشرف على إدارتها سلطة وصاية مُمثَّلة في وزارة الاتصال، ويُعيَّن مديروها العامون بظهير ملكي.

- وشركة الدراسات والإنجازات السمعية البصرية (صورياد-القناة الثانية) بقناة وإذاعة.

ويُبيِّن الجدول أدناه (رقم 2)، بعد 18 سنة من إنهاء احتكار الدولة في ميدان البث الإذاعي والتلفزي، واقع الإذاعات والقنوات العمومية والخاصة

جدول (2): توزيع عدد الإذاعات والقنوات العمومية والخاصة

 

المشهد السمعي البصري

عدد الإذاعات

عدد القنوات

العدد

النسبة (%)

العدد

النسبة (%)

قطاع سمعي بصري عمومي

16

53.33

10

71.42

قطاع سمعي بصري خاص

14

46.66

4*

28.57

المجموع

30

100

14

100

* قناتان تليفزيونيتان رُخِّص لهما لكن لم يتم إطلاقهما بعد.

2.4. وكالات الأنباء

يتوفر المغرب على وكالة رسمية للأنباء، وهي وكالة المغرب العربي للأنباء، تمَّ تدشينها يوم 18 نوفمبر 1958، وتعرف تمثيلية وطنية ودولية، وتشترك مع 70 وكالة دولية، وتستعمل 5 لغات. وتنشر الوكالة ما يزيد عن 197 ألف قصاصة في السنة، وفق معطيات رسمية، وذلك بمعدل 665 وحدة يوميًّا، كما تنشر مليونًا و87 ألف قصاصة للوكالات الشريكة.

وانطلقت الوكالة، منذ يوليو 2018، في نشر مجلة شهرية بعنوان "باب ماكازين" (BAB Magazine). كما بدأت، في 15 يونيو 2020، بنشر صحيفتين يوميتين، هما: "اليوم المغربي" الناطقة باللغة العربية، و"ماروك لوجور" (Maroc le jour) الناطقة بالفرنسية. كما أطلقت بدءًا من العام 2020، قناة تليفزيونية إخبارية باسم "إم 24" دون أن تحصل على ترخيص بشأنها من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وما زالت مستمرة في البث إلى الآن رغم مأزقها القانوني، وأنشأت أيضًا إذاعة "ريم راديو" الإخبارية التي تبث برامجها عبر الإنترنت على مدار اليوم.

2.5. حالة المنظومة الإعلامية المغربية

انطلاقًا من المؤشرات السابقة، يمكن التوقف عند الاستنتاجات الآتية:

- تحرير القطاع السمعي البصري لا يزال محتشمًا في ظل عجز الدولة عن رفع يدها عن هذا القطاع بشكل كلي أو جزئي.

- انهيار حاد في عدد العناوين الورقية يؤكد عمق أزمة الإعلام الورقي لصالح الإعلام الإلكتروني الذي يحقق طفرة نوعية سنة بعد أخرى.

- استمرار حضور الدولة في الإعلام المغربي بوجهين: وجه المهيمن في المجال السمعي البصري، ووجه الحاضر الخفيف في الصحافة الورقية، بينما تبقى وكالة المغرب العربي للأنباء الأكثر تعبيرًا عن وجود صحافة رسمية.

جدول (3): توزيع خريطة وسائل الإعلام المغربية

م

الوسيلة الإعلامية

العدد

النسبة (%)

التقييم

1

الصحف الورقية

105

15.10

انهيار حاد/ حضور خفيف للدولة

2

القنوات التلفزية

14

2.01

استقرار/ هيمنة الدولة

3

المحطات الإذاعية

30

4.31

استقرار/ هيمنة الدولة

4

المواقع الإلكترونية

546

78.56

طفرة نوعية/ حضور غير مباشر

المجموع

695

100

-

  1. البنية التشريعية للمنظومة الإعلامية

3.1. التطور القانوني والإرساء المؤسساتي

تعتبر مدونة الصحافة والنشر لسنة 2016 أهم تطور تشريعي في حقل الإعلام المغربي؛ إذ تختلف عن النصوص القانونية السابقة، وجاءت في إطار ثلاثة قوانين: أولها: القانون المتعلق بالصحافة والنشر، وثانيها: القانون المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، وثالثها: القانون القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة.

وإذا كان القانونان المتعلقان بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، وإحداث المجلس الوطني للصحافة، يضطلعان بمهمة تنظيم الممارسة الإعلامية، فإن القانون المتعلق بالصحافة والنشر يُحدِّد القواعد المتعلقة بممارسة حرية الصحافة والنشر والطباعة، ويُبيِّن شروط ممارسة الصحافة، وحقوق الصحافيات والصحافيين والمؤسسات الصحافية وضمانات ممارسة الصحافة، ولاسيما مبدأي الحرية والتعددية، والالتزامات الواجب مراعاتها من قبلهم، والقواعد المنظمة لأنشطة الطباعة والتوزيع والإشهار المرتبطة بالصحافة والنشر، وأيضًا المتعلقة بالحماية الخاصة لبعض الحقوق وباختصاص المحاكم والمساطر المتبعة أمامها، والقواعد المتعلقة بأخلاقيات المهنة.

وتعود الإرهاصات الأولى لميلاد مدونة الصحافة والنشر إلى سنة 2002، في أعقاب المراجعة التي طرأت على قانون الصحافة الذي تغير اسمه ليصبح "قانون الصحافة والنشر" رقم (77.00)؛ إذ ارتفعت سريعًا الأصوات المطالبة بتعديله، وهو ما استجابت له وزارة الاتصال بفتح حوار مع المهنيين سنة 2003، واستمر إلى غاية 2007، وكان من نتائجه تقديم مشروع قانون جديد للصحافة والنشر إلى الأمانة العامة للحكومة، دون أن يتم تفعيل مسطرة التصديق عليه، وتزامن ذلك مع منعرج عرفه المشهد السياسي في تلك الفترة؛ إذ تمَّ التخلي عن "المنهجية الديمقراطية" في تعيين الوزير الأول من الأحزاب المتصدرة للانتخابات.

لكن إقرار دستور 2011، في أعقاب حراك 20 فبراير ، أسهم في استئناف النقاش حول مسودة 2007، بعدما فتحت وزارة الاتصال، في يناير 2012، حوارًا جديدًا مع المهنيين لتحيين قانون الصحافة والنشر. وعمدت إلى تعيين لجنة علمية للحوار والتشاور حول المشروع، في أكتوبر 2012، برئاسة محمد العربي المساري، أسفر عملها بعد ثلاثة عشر اجتماعًا عامًّا بالإضافة إلى عدد كبير من اجتماعات اللجان الفرعية عن تقديم مقترحات تعديل أهمت 110 مواد. وكان مشروع قانون الصحافة والنشر قد استأثر بأكبر عدد من التعديلات بعد أن تعرضت ستون من أصل تسعين مادة للملاحظة والتعديل، يليه مشروع قانون الصحافي المهني بثلاث وعشرين من أصل تسع وعشرين مادة، فيما سجلت ملاحظات أهمت خمس عشرة من أصل إحدى وستين مادة في مشروع قانون إحداث المجلس الوطني للصحافة.

كما أسهم الدستور الجديد في تعديل الترسانة القانونية المنظمة للقطاع السمعي البصري، بعد أن جعل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري مؤسسة دستورية تندرج ضمن هيئات الحكامة الجيدة والضبط والتقنين المستقلة. وهي المكانة الدستورية التي تمنح هذه الهيئة قوة وتأثيرًا واضحين في علاقتها مع مؤسسات وهياكل الدولة؛ إذ صدر قانون جديد يتعلق بإعادة تنظيمها في سنة 2016. فضلًا عن ذلك، أقرت الحكومة قانون الحق في الحصول على المعلومة، الذي ضمنه الفصل السابع والعشرون من الدستور، وذلك بعد أن قطع مسار التصديق عليه ثماني سنوات كاملة؛ إذ انطلق بعرض مشروعه على أنظار أعضاء المجلس الحكومي في ثلاث محطات قبل المصادقة عليه. وكانت المرحلة الأولى في 1 أغسطس 2013، فيما تمت المصادقة عليه في المجلس الحكومي، في 31 يوليو 2014، وفي 20 يوليو 2016 تمت المصادقة عليه في مجلس النواب. ولم يصادَق عليه في مجلس المستشارين إلا في 9 يناير 2018، ثم صادق عليه مجلس النواب في إطار القراءة الثانية، في 6 فبراير 2018، قبل أن ينشر في الجريدة الرسمية، في 12 مارس 2018.

وفي خضم تحليل هذه التشريعات الجديدة يمكن رصد أربعة مستجدات ترتبط بتعزيز ضمانات الحريات الصحافية، وضبط شروط الولوج للمهنة، وتوسيع وتقوية اختصاصات القضاء في قضايا الصحافة والنشر، والإرساء المؤسساتي.

أولًا: تعزيز ضمانات الحريات الصحافية: وقد تم ذلك من خلال:

- إلغاء العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بالتعويض المدني والغرامات المناسبة: في الوقت الذي وردت عبارتا "الحبس" و"السجن" في قانون الصحافة والنشر السابق في 23 فصلًا، تمَّ إلغاء العقوبات الحبسية في القانون الجديد والاقتصار على الغرامات في 19 مادة. ويلاحظ أن مادتين نصَّتا بشكل صريح على عدم تطبيق عقوبة الإكراه البدني، ويتعلق الأمر بالمادة 92 التي جاء فيها: "لا يُطبق الإكراه البدني في قضايا الصحافة والنشر في حالة العجز عن الأداء المثبت بالوسائل المقررة قانونًا"، والمادة 98 التي نصت على أنه: "لا يمكن بموجب هذا القانون إيقاف المشتبه فيه أو اعتقاله احتياطيًّا".

لكن رغم هذا التقدم الذي يُكرِّس التزام المغرب بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قانون الصحافة خلال دورة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في جنيف سنة 2012، فإن بعض العقوبات الحبسية بقيت بشكل آخر، بعدما تمَّ ترحيلها إلى القانون الجنائي، وهي المتعلقة بإهانة رموز المملكة والتحريض على ارتكاب الجنايات والجنح.

- ضمانات الحق في الحصول على المعلومة: باستثناء المعلومات التي تكتسي طابع السرية بمنطوق الفصل 27 من الدستور، والمتعلقة بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، فإن القانون الجديد يضمن الولوج إلى المعلومة.

ثانيًا: ضبط شروط الولوج إلى المهنة: وذلك من خلال:

- ضوابط وشروط جديدة يجب توافرها لمنح بطاقة الصحافة المهنية: يبقى أهمها إثبات عدم صدور في حق طالب البطاقة حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل جناية أو جنحة في قضايا محددة، وتقديمه التزامًا يتعهد فيه باحترام الالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية وميثاق أخلاقيات المهنة للمجلس الوطني للصحافة.

- منح الحق الحصري للمجلس الوطني للصحافة بدل الحكومة لتسليم البطاقة المهنية وإمكانية رفضها أو التجديد السنوي لها.

ثالثًا: توسيع اختصاصات القضاء في قضايا الصحافة والنشر، ويتجلى ذلك في:

- جعل القضاء الجهة الوحيدة والحصرية المختصة بتلقي تصريحات إصدار الصحف.

- جعل المصادرة والحجز والإيقاف بيد القضاء دون غيره: إن إيقاف مطبوع دوري أو حجب موقع صحيفة إلكترونية لن يكون إلا بمقرر قضائي. كما أن حجز مطبوع دوري يصدر بقرار قضائي استعجالي، وبقي الاستثناء يخص الصحف الأجنبية فقط التي ما زال للإدارة تدخل فيها.

- احترام قرينة البراءة: التأكيد على مبدأ قرينة البراءة في اشتغال الصحافيين على القضايا المطروحة على المحاكم، والحق في المعلومة القضائية والحق في نشر الأحكام القضائية.

رابعًا: الإرساء المؤسساتي: وذلك من خلال:

- إحداث المجلس الوطني للصحافة كهيئة مهنية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. ويهدف أساسًا إلى التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر ووضع الأنظمة الضرورية التي تضمن ممارسة المهنة في احترام لقواعدها وأخلاقياتها، ومنح بطاقة الصحافة المهنية بدل الحكومة. ويقوم المجلس بدور الوساطة في النزاعات القائمة بين المهنيين أو بين هؤلاء والأغيار، وتتبُّع احترام حرية الصحافة، والنظر في القضايا التأديبية التي تهم المؤسسات الصحافية والصحافيين المهنيين الذين أَخَلُّوا بواجباتهم المهنية وميثاق أخلاقيات المهنة.

- دَسْتَرَة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري: أصبحت منذ سنة 2016 مؤسسة دستورية مستقلة لتقنين وضبط مجال الاتصال السمعي البصري، بعد أن كانت منذ تأسيسها، في أغسطس 2002، مختصة في إبداء الرأي في كل مسألة تتعلق بقطاع الاتصال السمعي البصري. وتتولَّى الهيئة السهر على ضمان حرية ممارسة الاتصال السمعي البصري كمبدأ أساسي، واحترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي، والتعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري.

ورغم التطور التشريعي والإرساء المؤسساتي، فهناك عدد من المؤاخذات على التشريعات سالفة الذكر، تدفع في اتجاه التشكيك في قدرتها على ضمان صحافة حرة ومستقلة ومهنية وملتزمة بأخلاقيات المهنة ترقى إلى سلطة رابعة. وهنا، يمكن الاقتصار على مدونة الصحافة والنشر باعتبارها القوانين التي تنظم الممارسة الصحافية؛ إذ يظهر عدد من النقائص يمكن إجمالها في أربعة، وهي:

أولًا: عدم التدقيق في الحالات الاستثنائية لرفع السرية عن المصادر، مما يفتح المجال أمام توسيع نطاقها.

ثانيًا: اشتراط أقدمية مبالغ فيها للترشح لعضوية المجلس الوطني للصحافة تتمثَّل في 15 عامًا، بينما 56.3% من مجموع الصحافيين الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية برسم 2020 لهم أقدمية تقل عن 10 سنوات.

ثالثًا: استمرار إخضاع الصحافة للسلطة التنفيذية عبر آلية الدعم العمومي، في ظل غياب قانون منظم، مما يثير مخاوف من العمل بمنطق الولاء والتحكُّم، بغض النظر عن تنصيص المادة السابعة من قانون الصحافة والنشر على أن "الاستفادة من الدعم العمومي ستكون بناء على مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص والحياد".

رابعًا: عدم التنصيص بشكل صريح على أن قانون الصحافة والنشر وحده الذي يمثِّل المرجع في جرائم الصحافة والنشر، فيما أثبتت التجربة بعد سبع سنوات من تفعيله تطبيق القانون الجنائي في قضايا النشر، والذي يتضمن عقوبات سالبة للحرية.

جدول (4): مزايا مدونة الصحافة والنشر والمآخذ على فلسفتهام

م

مزايا القانون

المآخذ

1

تحديد الحقوق والحريات بالنسبة إلى الصحافي المهني

عدم التدقيق في الحالات الاستثنائية لرفع السرية عن المصادر

2

ضبط شروط الولوج إلى المهنة

اشتراط أقدمية مبالغ فيها للترشح لعضوية المجلس الوطني للصحافة

3

توسيع وتقوية اختصاصات القضاء في قضايا الصحافة والنشر

استمرار إخضاع الصحافة للسلطة التنفيذية عبر آلية الدعم العمومي

4

الإرساء المؤسساتي

عدم التنصيص الصريح على أن القانون الجديد وحده يمثِّل المرجع في جرائم الصحافة والنشر

3.2. محاولات الضبط التشريعي

لم تمنع جرعات النفس الديمقراطي الذي عرفه المغرب بعد 2011، والتدابير القانونية التي يشهدها الحقل الإعلامي طوال العشر سنوات الماضية، من بروز تراجعات بلغت حدَّ تجربة تعديل بعض القوانين في اتجاه النكوص، والتي كان من تمظهراتها:

- إقرار الحكومة قانونًا يهدف إلى إنشاء لجنة مؤقتة لإدارة قطاع الصحافة والنشر، في أغسطس 2023، وذلك بديلًا عن المجلس الوطني للصحافة، والذي أعاد التنظيم الذاتي للصحافة خطوة إلى الوراء، بغض النظر عن تبرير الحكومة خطوتها بسعيها إلى تجاوز الوضعية التنظيمية المعقدة للمجلس الذي فشل في إجراء انتخابات تجديده. - قبل ذلك محاولة إقرار قانون جديد يقضي بتعديل المجلس الوطني للصحافة، تقدَّمت به فرق برلمانية مختلفة مطلع عام 2023. وشمل القانون مقترحات جديدة تراجعية، بما في ذلك مبدأ الانتداب من قِبَل الهيئتين الأكثر تمثيلية بدلًا من الانتخاب، وتعيين الرئيس من قبل الملك، ورفع ولاية المجلس إلى خمس سنوات بدلًا من أربعة، ورفع عدد أعضائه من 21 عضوًا إلى 23 عضوًا، لكن سريعًا أعلنت الفرق البرلمانية سحب مقترح القانون قبل إحالته إلى اللجنة بعد انتقادات كبيرة له.

- محاولة إقرار قانون نكوصي في 2020 لضبط شبكات التواصل الاجتماعي تضمَّن قيودًا لـ"تكميم الأفواه" في مواقع التواصل الاجتماعي. وتضمَّن 25 مادة مثيرة للجدل، من بينها المادة 6 التي اشترطت لإحداث شبكات التواصل الاجتماعي الحصول على ترخيص تُسلمه الإدارة أو الهيئة، دون تحديد كيفية ممارستها والجهة المسؤولة عن ذلك، بينما تضمنت 13 مادة (أي أزيد من نصف عدد المواد) عقوبات تمزج بين كونها سالبة للحرية وغرامات مالية، ومن ضمنها معاقبة دعاة مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك بعقوبة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات. وكان ذلك مؤشرًا على تفاعل سريع من قِبَل الحكومة لمواجهة نجاح حملة مقاطعة مواد استهلاكية في 2018. وكانت الحكومة قد صادقت على مشروع القانون، في 19 مارس 2020، قبل أن تعلن، في 3 مايو من العام ذاته، تأجيل النظر فيه حتى تكون صياغته النهائية مستوفية للمبادئ الدستورية ومعززة للمكاسب الحقوقية بالبلاد، وهو ما عطَّل استكمال مسطرة التصديق عليه.

- سعي الحكومة سنة 2018 إلى تقديم مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالصحافة والنشر. وقد تضمن تعديلات يُراد من خلالها نسخ مواد من قانون الصحافة والنشر وترك تنظيمها للقانون الجنائي، مثل جرائم التحريض على الكراهية أو التمييز وإهانة نساء ورجال القضاء والموظفين العموميين ورؤساء ورجال القوة العمومية. ورغم أن مشروع القانون المذكور لم يستكمل مسطرة التصديق عليه؛ إذ ما زال إلى اليوم ينتظر المناقشة والمصادقة عليه على مستوى لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، إلا أن تقديمه من قِبَل الحكومة يُعزِّز توجهها نحو متابعة الصحافيين بموجب القانون الجنائي في قضايا تهم النشر، وهو ما يُعد تراجعًا كبيرًا.

جدول (5): تطور المنظومة التشريعية للإعلام (2011-2023)

تشريعات تم إقرارها

القانون

تاريخ مصادقة الحكومة

تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بعد استكمال مسطرة التصديق

سمته

قانون الصحافة والنشر

23 ديسمبر/كانون الأول 2015

15 أغسطس/آب 2016

متقدم

قانون النظام الأساسي للصحافيين المهنيين

12 أكتوبر/تشرين الأول 2015

19 مايو/أيار 2016

متقدم

قانون المجلس الوطني للصحافة

29 يوليو/تموز 2015

7 أبريل/نيسان 2016

متقدم

قانون إعادة تنظيم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري

25 أغسطس/آب 2016

22 سبتمبر/أيلول 2016

متقدم

قانون الحق في الحصول على المعلومة

31 يوليو/تموز 2014

12 مارس/آذار 2018

متقدم جزئيًّا

قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر

13 أبريل/نيسان 2023

7 سبتمبر/أيلول 2023

تراجعي

تشريعات لم تُستكمل مسطرة التصديق عليها بفعل مقاومتها

مقترح/مشروع قانون

تاريخ مصادقة الحكومة

أو تسجيله في البرلمان

مآله

سمته

مقترح قانون بتغيير وتتميم القانون رقم (90.13) القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة

تاريخ التسجيل في البرلمان:

16 يناير/كانون الثاني 2023

أُعلِن عن سحبه في

3 فبراير/شباط 2023

تراجعي

مشروع قانون استعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة

19 مارس/آذار 2020

لم تتم إحالته على البرلمان بعد إعلان الحكومة عن إرجاء النظر فيه

تراجعي

مشروع القانون بتغيير وتتميم القانون رقم (88.13) المتعلق بالصحافة والنشر

أُحيل من طرف الحكومة إلى مكتب مجلس النواب في 20 مارس/آذار 2018

بقي جامدًا

تراجعي

           
  1. العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي

تعتبر العلاقة بين المنظومة الإعلامية والنظام السياسي إحدى القضايا الأكثر تعقيدًا في مجال البحث الإعلامي، بالنظر إلى تأثيرها المباشر في الفعل الإعلامي والسياسي على حدٍّ سواء وما تخلِّفه من توترات بين الفاعلين في الحقلين معًا. ومن حيث المبدأ، تبدو العلاقة بين الصحافة والسياسة بعيدة عن أي تنافس، لالتزام كليهما تجاه المجتمع بواجب الخدمة العمومية واستقلالهما بدور خاص يتوخى تحقيق التنمية والديمقراطية، لكن الممارسة تُظهِر نزوعًا لسيطرة التوجهات السياسية على وسائل الإعلام، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يجعل الإعلام يحيد عن دوره المتمثل في دعم مبادئ الحرية والمساواة وتأمين مصالح المواطنين.

من هذا المنطلق، تُعد العلاقة بين المجالين الإعلامي والسياسي أكثر تداخلًا وتشابكًا وقائمة على التنازع المستمر رغم أن كليهما يؤثر ويتأثر بالآخر، حتى إن عالم الاجتماع الأميركي، هارولد لاسويل (Harold Lasswell)، (1902-1978)، الذي درس علاقة وسائل الإعلام بقيادة الرأي العام، انتهى إلى القول: "إن وسائل الاتصال تحوَّلت إلى أدوات ضرورية في إدارة الرأي العام من طرف الحكومات". واعتبرت الباحثة الفرنسية في علم الاجتماع، جوديت لازار (Judith Lazar)، في كتابها: "سوسيولوجيا الاتصال الجماهيري"، أن "وسائل الاتصال في أعين رجال السياسة تمثِّل أساليب ممتازة لإقناع الجماهير، باعتبارها الأداة المثلى لنقل رسائلهم السياسية. لذلك يبحثون عن إقامة أفضل العلاقات مع الصحافيين، وهو الأمر الذي يخلق شيئًا من علاقات التعايش"، لكن الصحافي الفرنسي، سيرج حليمي، صاحب كتاب "كلاب الحراسة الجدد"، والذي قضى ثلاثة عقود ضمن هيئة تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" (Le Monde diplomatique) وأنهى مشواره مديرًا لها، يعتبر "هذه الوشائج التي تربط الصحافيين بالسياسيين سرعان ما تُفسد نُبل المهنة وقيمها".

في الحالة المغربية، نجد أن تطور الصحافة اقترن تاريخيًّا بالسياق السياسي؛ إذ إن تعديلات قانون الصحافة، منذ أول قانون في 1958 بعد الاستقلال وحتى آخره في 2016، ارتبطت بسياقات محددة لها علاقة بمنسوب الصراع بين السلطة والأحزاب السياسية. فقد تمَّ تعديل قانون الصحافة لسنة 1958 في العام الموالي بعد تولِّي الملك الراحل، الحسن الثاني، الحكم، في مارس 1961. وجاء تعديل 10 أبريل 1973 الذي شمل قوانين الحريات العامة مجتمعة عقب محاولتين انقلابيتين فاشلتين سنتي 1971 و1972. كما حصل التعديل الأهم للقانون سنة 2002 كجزء من الإصلاحات السياسية بعد استلام الملك محمد السادس الحكم عام 1999، وأثمر انخفاض العقوبات السجنية من 33 في القانون الأصلي لسنة 1958 إلى 23 في القانون المذكور، قبل أن يأتي قانون الصحافة والنشر لسنة 2016 في سياق الانفراج السياسي بعد حراك 20 فبراير وإقرار دستور جديد سنة 2011.

في ظل المعادلة القائمة بالمغرب بين الصحافة والسلطة والتي كثيرًا ما كان ملؤها التناقض والتنافر والتمنع والممانعة، فإن المنظومة الإعلامية بعد نيل المغرب استقلاله لم تخرج عن الصحف الرسمية التابعة للدولة، والحزبية التابعة للأحزاب السياسية، مع استثناءات قليلة لصحف غير تابعة لكل منهما، والتي لم تكن تصمد طويلًا بفعل تسلط سيف رقابة السلطات عليها. وتُشكِّل "الأسبوع" التي تأسست سنة 1965 الاستثناء من الصحف الخاصة التي تمكنت من البقاء إلى اليوم، حتى بعد وفاة مؤسسها، مصطفى العلوي، في 28 ديسمبر 2019، وكانت تعمد إلى تغيير عنوانها في كل مرة تعرضت للحظر.

ورغم أن السمة البارزة للطلائع الأولى للصحف الخاصة تتمثَّل في عدم بقائها على قيد الحياة لفترة طويلة، فإن الحقل الإعلامي المغربي عرف منذ بداية تسعينات القرن الماضي صعودًا لهذا النوع من الصحف، في ظل تراجع ملحوظ للصحافة الحزبية التي كانت تمثِّل وجهات النظر المتنوعة لمختلف الأحزاب السياسية، وخاصة بعد انضمام عدد من الأحزاب اليسارية المعارضة سابقًا إلى الحكومة، مما ترك فراغًا في صحافتها.

وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "الصحف الخاصة" يُطلق على العناوين غير التابعة للدولة والأحزاب السياسية، بغض النظر عما إذا كانت تابعة لدوائر اقتصادية أو مالية أو اجتماعية أو أصحاب مصالح. وهكذا، فقد انطلق مطلع التسعينات جيل جديد من العناوين الصحافية الخاصة التي أدت وظيفة إضافية كحراس أو حماة يراقبون نشاطات السلطتين السياسية والقضائية، ونجحت في إعطاء صوت لمن ليس لهم صوت، من بينها "ليكونوميست" (L'Economiste) التي تأسست سنة 1998، و"ماروك إيبدو إنترناسيونال" (Maroc-Hebdo International) سنة 1991، وأيضًا "لا في إيكو"( La Vie Éco) ، الصحيفة العريقة التي أُنْشِئَت سنة 1957 من طرف فرنسي قبل أن تباع لمجموعة قابضة مغربية سنة 1997. وشكَّلت هذه الصحف الثلاث الناطقة باللغة الفرنسية أولى المحاولات الاختبارية للاستقصاء الصحفي في المجالات السياسية والاقتصادية.

غير أن النقلة النوعية في الصحافة الخاصة حصلت بتأسيس جريدة "سايس اخبار" الاسبوعية المستقلة الشاملة سنة 1996، والتي انطلقت من مدينة مكناس المغربية، و لازلت تصدر حتى يومنا هذا. ثم جريدة "لوجورنال" (Le Journal Hebdomadaire) ، الناطقة باللغة الفرنسية، في نوفمبر 1997، في فجر التناوب التوافقي أواخر عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، إلى جانب أسبوعية ناطقة باللغة العربية تابعة لها هي "الصحيفة" التي أُنْشِئَت سنة 1998، وقد توقفت الصحيفتان المنتميتان إلى نفس الجهة الناشرة عن الصدور لاحقًا.

واكتسبت الصحافة الخاصة زخمًا أكبر، بتأسيس أربعة عناوين ما زالت مستمرة في الصدور إلى اليوم، أولها: أسبوعية "الأيام"، التي أُنْشِئَت سنة 2001 بعد مغادرة الفريق التحريري للجريدة الأسبوعية "الصحيفة"، وحافظت على الخط التحريري الجريء المشابه لمثيله في "الصحيفة"، وثانيها: مجلة "تيل كيل" (Telquel) ، الناطقة بالفرنسية سنة 2001 التي عُرِفت بخطها النقدي للسلطة السياسية، ومعالجتها لتابوهات المجتمع المغربي، وثالثها: "الأحداث المغربية"، التي تأسست سنة 1998 لتكون منبرًا للأصوات الإصلاحية داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي لم تكن راضية عن توجهات جريدة الحزب الرسمية، قبل أن تعرف تحولات في خطها التحريري، خاصة بعد تغير مالكيها، سنة 2015، ورابعها: "الصباح"، التي تأسست سنة 2000 وبدأت عملها الصحفي دون الالتزام بالخط التحريري الرسمي قبل أن يخفت ذلك مع الوقت.  

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد عرفت العشرية الأولى بعد الألفين ميلاد عناوين جديدة ناطقة باللغة العربية، تميزت بأداء مهني واستقلالية عن الأحزاب السياسية، من بينها "المساء" التي انطلقت عام 2007، و"أخبار اليوم" التي تأسست عام 2009 وتوقفت عن الصدور في مارس 2021، و"الأخبار"التي أُنْشِئَت سنة 2012. واكتسبت الصحافة الخاصة زخمًا أكبر في 2011، بتأسيس عدد من المواقع الإلكترونية ما زالت مستمرة في الصدور إلى اليوم، من بينها "هسبريس" و"الأيام 24" و"اليوم 24" و"العمق المغربي" وغيرها.

وإذا كانت الصحافة الخاصة قد وجدت لها موقعًا ضمن خريطة الإعلام الورقي والإلكتروني المغربي في العقود الثلاثة الماضية، خاصة مع استمرار هيمنة الدولة على القطاع السمعي البصري، فإن تتبُّع تشكيل وطريقة تعاطي هذا النوع من الصحافة مع قضايا الشأن العام يُبرز ملاحظتين جوهريتين تحتاجان إلى التأمل:

- أولًا: بروز رجال أعمال معروفين بولائهم للسلطة وقادة أحزاب يديرون صحفًا ومواقع إلكترونية إخبارية. كما أن الساحة الإعلامية، وإن كانت تعرف تعددية، فإن فئة قليلة من تمتلك الإعلام وتؤثر فيه؛ ما يؤكد أن التعددية شكلية فقط.

- ثانيًا: معظم داعمي الصحافة في المغرب مرتبطون بالقطاع الاقتصادي والسياسي، كما أن المؤسسات العمومية أو شبه العمومية أكبر الممولين. وهو ما يعكس حضور الدولة في سوق الإعلانات بوجهين: وجه المنظم للقطاع، ووجه المستثمر، مع ما يثيره ذلك من مخاوف من تحول الإعلان التجاري إلى "رشوة مقنعة" للموالين، وأداة عقاب للمخالفين، ليصبح نمطًا من أنماط الرقابة والابتزاز.

انطلاقًا مما سبق، يمكن القول: توجد داخل الصحافة الخاصة في المغرب "صحافة الموالاة"، وهو أحد النماذج الرئيسية التي صاغها الباحث، وليم روو (William Rugh)، في تصنيفه للإعلام العربي؛ إذ يصبح هذا النوع من الصحافة مروجًا قويًّا لسياسات الدولة دون أن يكون مصنَّفًا إعلامًا رسميًّا.

جدول (6): سمات المنظومة الإعلامية في المغرب (2011-2023)

م

المنظومة الإعلامية

السمة

العناصر

1

النموذج الصحافي

تعددي

تنوع في نوعية الصحف: رسمية، حزبية، خاصة، موالاة

2

الخطاب الإعلامي

متنوع

تنوع السياسة التحريرية والمعالجة الإعلامية

3

دمقرطة الإعلام

جزئية

يحتاج القطاع إلى رفع يد الدولة عن الإعلام وتحرير القطاع السمعي البصري

4

تحديد جهة الولاءات

متداخلة

جهات مؤثرة ونافذة تستثمر في الإعلام

  1. النموذج الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية    

يختلف النموذج الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية حسب نوعيتها؛ إذ يعتمد الإعلام الورقي والإلكتروني على ثلاثة موارد رئيسية، وهي: المبيعات، والإعلانات، والدعم العمومي. وإذا كانت المبيعات عرفت انهيارًا كبيرًا ي