
كيف يمكن بناء نموذج تنموي جديد انطلاقا من الاقتصاد الازرق ؟
–ماذا نقصد بالاقتصاد الازرق ؟ -وكيف بدأ الاهتمام به.؟ - وماهي ركائزه ؟ - و هل يمكن اعتبار الاقتصاد الأزرق ركيزة أساسية لبناء نموذج تنموي جديد ، وبالتالي فك لغز غلاء أسعار الأسماك وبالخصوص سمك الفقراء (أي السردين)؟ .
الجميع يعلم أن الاقتصاد الأزرق قد أحدث ضــجة كبيـــرة في عصرنا الحالي، حيث أصبحت جميع الدول تسعى لإيجاد طرق اكثر استدامة وعدالة لاستغلال الموارد المحيطية. فالاقتصاد الأزرق هو مصطلح اقتصادي يعني استغلال البيئة البحرية والحفاظ عليها، وهناك تعريفات مختلفة للاقتـــصاد الأزرق، حيث يعرفه البنك الدولي بأنه الاستخدام المستدام لموارد المحيــــطات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، وتحســـين سبل العيش، مع الحفاظ على صحة النظام الايكولوجي . في المقابل، تعرفه المفوضية الأوروبية على أنه (جميع الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالمحيطات والبحار والسواحل).
أما دول « الكومنولت « فتعتبر الاقتصاد الأزرق مفهــــوما ناشئا يشجع الإشراف الأفضل على محيطنا.
وانطلاقا من هذه التعريفات نجد أنها تجمع على أن الاقتصاد الأزرق يتعلق بالاستخدام المستدام للموارد المائية والاعتماد على البحار والمحيطات في التنمية المستدامة، مع ضمان احترام البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي.
ذلك أن الاقتصاد الأزرق يعتبر طريقة جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بروح الاستدامة والقدرة على تحقيق الاقتصاد الأزرق كفرصة جديدة، وبالتالي يساعد على تحقيق أهداف الخطة، ولا سيما الهدف 14 والذي يهدف إلى حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية. هذا الأخير ( أي الاقتصاد الأزرق ) يقوم على ثلاثة ركائز أســـاسية ومترابطة وهي: الاقتــــصادية والاجتماعية والبيئية. وهو يسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والمساواة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة ، كما يضمن الاستدامة على المدى الطـــويل. فبالنسبة للركيزة الاقتصادية فإنها تشمل 3 مكونات رئيسية وهي :
1 - الصناعات البحرية : وتشمل قطاعات مثل مصايد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، والنقل البحري، والطاقة البحرية، والتكنولوجيا الحيوية البحرية، ومن خلال تحسين هذه الصناعات يسعى الاقتصاد الأزرق إلى دفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، وتعزيز الابتكار.
2- كفاءة الموارد : ويشكل جوهر الركيزة الاقتصادية، وهي تتضمن الحصاد المسؤول للموارد البحرية ، والحد من النفايات والتلوث.
3 - ممارسات الأعمال المستدامة : أي تشجيع الشركات على تبني ممارسات مستدامة بما في ذلك التقنيات الصديقة للبيئة. فالشركات المستدامة لا تزدهر اقتصاديا فحسب، بل تساهم في الحفاظ على البيئة.
أما بالنسبة للركيزة الاجتماعية فهي تؤكد على أهمية العدالة الاجتماعية ورفاهية المجتمع، وتتضمن مكوناتها الرئيسية ما يلي: - سبل العيش (حيث توفر سبل العيش لملايين من البشر في جميع أنحاء العالم، وخاصة الساحلية منها) .
– وهناك المشاركة المحلية (والتي تعمل على الاندماج المحلي والمشاركة في صنع القرار، مع الاعتراف بأن المجتمعات التي تعيش بالقرب من الموارد البحرية يجب أن يكون لها صوت في كيفية إدارة هذه الموارد والاستفادة منها) .
– هناك كذلك الشمول الاجتماعي (أي ضمان حصول الرجال والنساء على فرص متساوية، وأن تكون هناك مساواة بين الجنسين) .
أما بالنسبة للركيزة البيئية: فهي تولي أهمية قصوى لحماية صحة محيطاتنا وانظمتنا البيئية الساحلية وقدرتها على الصمود ، وتتضمن :
1- الحفاظ على التنوع البيولوجي( وذلك بالحفاظ على النظم البيئية البحرية، والانواع المهددة بالانقراض والتوازن العام للحياة البحرية).
2– هناك أيضا مرونة النظم الايكولوجية (وذلك بتعزيز المرونة في مواجهة تغير المناخ والتلوث).
3 – الرعاية البيئية (إن رفاهية الناس و الاقتصادات تعتمد على بيئة محيطية صحية).
هذه الركائز الثلاث للاقتصاد الأزرق تعمل في انسجام لتعزيز التنمية المستدامة، وذلك من خلال تحقيق التوازن بين الرخاء الاقتصادي والادماج الاجتماعي والرعاية البيئية، ذلك أن الاقتصاد الأزرق يقدم نهجا شاملا لضمان ازدهار محيطـــاتنا ومناطقنا الســــاحلية للأجيال القادمة.
والجدير بالذكر أن أهمية المحيطات في التنمية المستدامة، تلقى اعترافا واسعا في المجتمع الدولي، كما أنها جزء لا يتجزأ من الالتزامات الأساسية التي أقرتها الدول الأعضاء، وتعتبر من الأهداف التي اعتمدتها الأمم المتحدة لعام 2030. وقد أبان البنك الدولي بأن الاقتصاد الأزرق يوفر83 مليار دولار للاقتصاد العالمي سنويا. وتوقع الاتحاد الاوروبي أن ينمو الاقتصاد الأزرق العالمي بشكل أسرع من الاقتصاد العام، وربما يتضاعف حجمه بحلول 2030. كما أن أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم يعتمدون على الحياة البحرية بشكل أو بآخر في حياتهم اليومية والاقتصادية تحديدا. كما أن المحيطات والبحار تغطي أكثر من ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، وتوفر جميع أشكال الحياة على الأرض.
وبما أن المغرب يتوفر على رأس مال بحري مهم، حيث يتمتع بسواحل أطلسية ومتوسطية يبلغ طولها 3500 كلم، ومنطقة اقتصادية بحرية تفوق مساحتها 1 مليون كلم مربع، وثروة سمكية متجددة تجذب قدرا كبيرا من الاهتمام والطلب. وإذا كان الاقتصاد الأزرق ما هو إلا تعبير عن الربط بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وحفظ النظم الايكولوجية البحرية، وإعادة تأهيلها من خلال تعزيز النمو الاقتصادي والدمج الاجتماعي، مع الحفاظ على سبل العيش وتحسينها، فإلى أي حد استطاع المغرب باعتماده على الاقتصاد الأزرق كركيزة أساسية لتعزيز التنمية الشاملة بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، أو على الأقل الحد من الغلاء الفاحش في أثمنة الأسماك التي يتوفر على ثروة هائلة منها؟ لقد انخرط المغرب في السنوات الاخيرة في مسلسل إضفاء الطابع الأزرق على اقتصاده، حيث أصبح بوسع الاقتصاد الازرق أن يصير محركا حقيقيا للتنمية السوسيو-اقتصادية عبر تشجيع الاستثمار، كما أوضحت الدراسة التشخيصية للنموذج التنموي الجديد، على أن المغرب أمامه فرصة سانحة لتنمية التجمعات الساحلية التي تجذب الاستثمارات وتحدث فرص الشغل. علما أن المغرب يعد وجهة واعدة للمستثمرين في مجال الاقتصاد الأزرق وفي الطاقة بصفة خاصة، لأنه يتوفر على مناخ أعمال يعرف إصلاحات متواصلة من أجل مواكبة الدينامية التي يعرفها العالم. كما أن المغرب أصبح سوقا كبيرة خاصة في مجال إنتاج الطاقة بما في ذلك النجاعة الطاقية، والنقل المستدام، ومختلف أنشطة التنمية المستدامة.
وقد أطلق المغرب سياسة الطاقات المتجددة منذ أمد طويل، فأول مركز لتطوير الطاقات المتجددة يعود إلى سنة 1982، وأن أولى» المحطات الريحية « تعود إلى 2002. أضف إلى ذلك انفتاح المغرب على محيطه الخارجي من خلال العديد من اتفاقات التجارة الحرة وسياسة اندماجية مع الشركاء الاوروبيين، وحضور قوي ومتعاظم بالقارة الافريقية، والمغرب اليوم يتوفر على الوكالة الوطنية للطاقة الشمسية التي تلعب دورا هاما من أجل تحفيز الشركات الاجنبية على الاستثمار في المغرب وفي افريقيا. وقد وافق البنك الدولي على منح المغرب قرض بقيمة 350 مليون دولار لمساندة الحكومة في برنامج الاقتصاد الأزرق الذي يهدف إلى تحسين إحداث فرص الشغل، والنمو الاقتصادي، وكذلك استدامة الموارد الطبيعية وقدرتها على الصمود، وتحقيق الأمن الغذائي. كل هذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: إذا كان الاقتصاد الازرق يعرف بالإدارة الجيدة للموارد البحرية، ويسعى إلى تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وإذا كان المغرب قد قطع أشواطا كثيرة في النهوض بالاقتصاد الأزرق وجعله ركيزة أساسية للتنمية المستدامة والشاملة، فهل تمكن فعلا من تحقيق كل ما كان يطمح إلى تحقيقه؟.
فإذا نظرنا إلى واقعنا الفعلي نجد أننا لازلنا بعيدين عن تحقيق الركائز الأساسية للاقتصاد الأزرق، حيث لازلنا لم نحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والمساواة الاجتماعية، كما أن الارتفاع المهول لأسعار الأسماك في الأسواق المغربية بات يقلق الجميع، بل هناك أنواع من الأسماك لا نعرفها ولا وجود لها في الأسواق المغربية، وحتى السردين الذي يعتبر» سمك الفقراء» أصبح المواطن العادي لا يقدر على شرائه لأنه وصل إلى أسعار غير مبررة تلهب جيوب المواطنين، وكأننا نستورد الأسماك من بلدان أخرى، في الوقت الذي نجد فيه المغرب - حسب بعض الإحصاءات- يحتل الرتبة 13 عالميا والأولى عربيا في إنتاج السمك. وحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي جاء فيه، أن المغرب يملك ثروة من الموارد البحرية المتميزة بمستويات عالية من التنوع البيولوجي بأكثر من 600 نوع سمكي. إلا أن التعاون المحدود بين القطاعات الحكومية، واعتماد سياسات متفرقة، والافتقار إلى التخطيط المتكامل للميزانية عبر القطاعات، من معيقات نمو الاقتصاد الأزرق في المغرب و الذي يشمل كل الأنشطة المرتبطة بالبحر. فرغم التمويل الذي قدمه البنك الدولي للحكومة من أجل تدشين برنامج الاقتصاد الأزرق، ورغم المبادرات التي اتخذتها الحكومة من استثمار وابتكار في تربية الأحياء المائية، وحماية بعض المناطق البحرية المحمية وتثمينها، ومراقبة النظم الايكولوجية الساحلية والمحافظة على الشواطئ، إلا أن المواطن المغربي لا زال يعاني من الغلاء الفاحش في الأسعار وبالخصوص السمك، كما أننا لم نتمكن من تحقيق التوازن بين الرخاء الاجتماعي و الدمج الاقتصادي من خلال تحسين سبل العيش، حيث لا زال المواطن المغربي يئن تحت وطأة الفقر والحاجة، مما يؤكد أن حلم النموذج التنموي الجديد لازال في مرحلة المخاض. وإذا كان الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر مفهومان لهما نفس الهدف أي جعل العالم مكانا أكثر استدامة لكل الكائنات الحية والبيئية، يبقى أن الاختلاف الرئيسي بينهما في مجال عملهما. وإذا كان الاقتصاد الأخضر لم يحقق أهدافه المنشودة، رغم بعض النتائج التي لا ترقى إلى المسـتوى المطـــــلوب. فهل سيحقق الاقتصاد الأزرق ما لم يحققه الاقتصاد الأخضر؟ أم هل سيكون مصيرهما واحد؟. وكما يقال : الأسباب تختلف والموت واحد. هذا ما لا نتمناه حتى لا نكون متشائمين . ولنتفاءل بقادم الأيام
ذ. محمد ابركي