
حديقة فلورانس بفاس… “رئة المدينة” تختنق في صمت
ذات زمن ليس ببعيد، كانت حديقة فلورانس تُلقَّب برئة مدينة فاس. تقع بمحاذاة شارع الحسن الثاني، وتُعدّ من أبرز معالم المدينة الحديثة، حيث شكّلت لعقود من الزمن متنفسًا حقيقيًا للساكنة، ومسرحًا يوميًا للحياة بكل تجلياتها: العائلات تتنزه، الأطفال يلعبون، العشاق يتهامسون، والمتقاعدون يستظلون تحت أشجارها الوارفة.
كانت الحديقة عنوانًا للجمال والاسترخاء، ونافورتها النابضة بالماء تشكل قلبها الحيّ، تنساب منها المياه فتنعش الجو، وتسقي النباتات، وتمنح الزائرين شعورًا نادرًا بالسكينة. أما اليوم، فقد خفت النبض، وجفّ الماء، وسكتت النافورة.
تعيش حديقة فلورانس وضعًا مقلقًا يختزل في طياته تراجع الاهتمام بالمساحات الخضراء داخل النسيج الحضري. النباتات تذبل يومًا بعد يوم، والتربة تئن عطشًا، ولا تُروى إلا نادرًا بواسطة خراطيم المياه المرتبطة بصهاريج متنقلة، في غياب نظام سقي منتظم ومستدام.
المارة الذين اعتادوا الاستراحة على كراسي الحديقة يلاحظون بوضوح علامات الذبول والإهمال. لم تعد العصافير تغني كما في السابق، ولم يعد الأطفال يجدون المساحات الآمنة للعب وسط الطبيعة. الحديقة، ببساطة، تفقد روحها.
إن استمرار هذا الوضع ينذر بتحول أحد الرموز الحضرية لمدينة فاس إلى مجرد ذكرى حزينة. ويدق ناقوس الخطر حول إشكالية تدبير الحدائق العمومية والحفاظ على البيئة داخل المجال الحضري، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية التي تعيشها المملكة، والتي تجعل من كل مساحة خضراء ثروة ينبغي صونها.
فهل تتحرك الجهات المسؤولة قبل فوات الأوان؟ وهل تعود النافورة لتنبض من جديد، وتعود الحديقة إلى زوارها كما كانت، رئةً تتنفس وتُنعش المدينة؟
الجواب، كما يراه كثيرون، ليس بعيدًا، ولكنه رهين بإرادة حقيقية تجعل من فلورانس عنوانًا للعناية بالبيئة والإنسان، لا صفحة من الماضي تطويها اللامبالاة.
