
تعيين مديرة من خارج المعهد على رأس البحث الزراعي.. استمرار لمسلسل تهميش الكفاءات أم تكريس لمنطق الولاءات....؟
مرة أخرى، يثبت التعيين في المناصب العليا أن الكفاءة ليست بالضرورة المعيار الحاسم، بل إن منطق الولاءات والعلاقات الشخصية ما زال سيد المشهد، حتى في قطاع حيوي كالبحث الزراعي، الذي يُفترض أن يكون رافعة حقيقية لتنمية الفلاحة المغربية وتعزيز الأمن الغذائي.
تعيين لمياء الغوتي مديرةً للمعهد الوطني للبحث الزراعي يطرح أكثر من علامة استفهام، ليس فقط بسبب افتقارها لسجل بحثي متميز مقارنة بخيرة الخبراء والكفاءات الوطنية التي تم تهميشها لسنوات، بل أيضاً بسبب تاريخ المعهد ذاته، الذي شهد في السنوات الأخيرة حالة غير مسبوقة من التهميش الممنهج للباحثين الأكفاء، والإقصاء المتعمد للطاقات التي كان يمكن أن ترتقي بمستوى البحث الزراعي في المغرب إلى مصاف الدول الرائدة.
إدارة على المقاس أم رؤية استراتيجية مفقودة...؟
لم يكن هذا التعيين مفاجئاً لمن يتابع كواليس قطاع البحث الزراعي، فلطالما اشتكى باحثو المعهد الوطني للبحث الزراعي من غياب رؤية حقيقية للنهوض بالبحث العلمي، ومن قرارات إدارية عشوائية تكرس مناخ الإحباط والتهميش داخل المؤسسة. كيف يمكن الحديث عن تطوير البحث الزراعي في الوقت الذي يتم فيه إقصاء الكفاءات الحقيقية لصالح أسماء لا تمتلك الخلفية العلمية والإدارية الكافية؟
لا يخفى على أحد أن المعهد الوطني للبحث الزراعي هو مؤسسة استراتيجية تلعب دوراً محورياً في تحسين الإنتاج الزراعي، تطوير الأصناف النباتية والحيوانية، وإيجاد حلول لمشكلات التغير المناخي والجفاف. ومع ذلك، فإن تعيين شخصيات غير مؤهلة على رأس هذه المؤسسة يعني عملياً استمرار التدهور والجمود الذي يعاني منه البحث الزراعي في المغرب.
ماذا عن الباحثين المهمشين...؟
لسنوات، اشتكى عدد من الباحثين داخل المعهد من سياسة الإقصاء التي مورست ضدهم، رغم امتلاكهم مسارات بحثية مشرفة، وامتلاكهم لشهادات وخبرات دولية تجعلهم الأجدر بقيادة دفة البحث الزراعي. فلماذا يتم تهميش هذه الطاقات؟ ولماذا يُفضل تعيين شخصيات مقربة من دوائر النفوذ السياسي بدل الاعتماد على معيار الاستحقاق؟
إذا كان المغرب يريد حقاً تحقيق السيادة الغذائية، فلا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر البحث العلمي الجاد، القائم على الكفاءة وليس المحسوبية. أما إذا استمر نهج التعيينات العشوائية، فإن الحديث عن تطوير القطاع الفلاحي سيبقى مجرد شعارات فارغة لا أثر لها على أرض الواقع.
هل ستتحرك وزارة البوراي ...؟
الكرة الآن في ملعب وزارة الفلاحة، التي تتحمل مسؤولية مباشرة في ضمان حسن تدبير هذا القطاع الحيوي. فهل ستتدارك الوضع قبل فوات الأوان، وتعيد الاعتبار للكفاءات التي تم تهميشها؟ أم أن الأمور ستستمر وفق قاعدة "المناصب للموالين وليس للأكفاء"؟
الأيام المقبلة كفيلة بكشف الحقيقة، لكن المؤكد أن هذا التعيين لن يمر مرور الكرام داخل الأوساط العلمية والفلاحية، التي بدأت تعبر عن استيائها من استمرار سياسة الإقصاء، التي إن لم تتوقف، ستُدخل البحث الزراعي المغربي في نفق أكثر ظلمة.